قراءات وتراجم القصص الفائزة بمسابقة وكالة خبر قراءات وتراجم القصص الفائزة بمسابقة وكالة خبر -->

قراءات وتراجم القصص الفائزة بمسابقة وكالة خبر

قراءات وتراجم القصص الفائزة بمسابقة وكالة خبر - عراق جرافيك
وكالة خبر - أدب -
قراءات نقدية, وترجمة للغتين الانجليزية و الفرنسية للقصص الفائزة بمسابقة وكالة خبر, السنوية, الدولية , للقصة القصيرة جدا, وقد ساهم بترجمة النصوص الأساتذة:
- فايزة لكحل - الجزائر
- سعيد نعانع - المغرب
- مفيد وحيد - العراق


1- مصالحة ------- صلاح الفقيه – الاردن - الاول 

لا تخف ، قال لي بعد الحرب : 

- كل شيء يمكن إصلاحه 

خلع ساقه الخشبية، خلعت يدي، وضع عينه الزجاجية على المقعد ، وضعت قدمي.

لم ننتبه حين تعانقنا إلى عامل النظافة يكنس أجزاءنا بعيدا.



conciliation -- Salah Faqih 

N'aie pas peur, , il m'a dit après la guerre: 

- Tout peut être réparé 

Il enleva sa jambe de bois, 

j' enlevai ma main, il posa son œil vitreux sur le siège. je posai mes pieds 

…………………… 

. Conciliation….. Salah Al-Faqih 

Don’t be scared, he told me after the war. 

Everything can be fixed. 

Now he took his wooden leg away , and I took away my hand , then he put his glassy eye on the chair , while I put down my foot. 

التضاد السوريالي ولغة البساطة 

قراءة في نص (مصالحة) الفائز بمسابقة وكالة خبر 

*قراءة.. د. محمد ياسين صبيح/ سوريا 



يجب أن تتمتع القصة القصيرة جداً بالتوسع الأفقي والعمودي الدلالي، رغم تموضعها الكثيف ضمن حيزها السردي الصغير، وهي بذلك تنفتح على كل المدارس السردية والنقدية والابداعية بشكل عام، بمعنى اننا لا يمكن أن نحصرها في إطار شكلي جامد، بل تنفتح على أفقها السردي من خلال استخدامها للكثير من التقنيات الجمالية والايحائية والفكرية وحتى الفلسفية. هكذا هي تبقى روحاً حكائية تعيش في كل كلمة، وتشع أفكارها بشكل ينفتح على كل جهات التأويل. 

فقراءة النص الأولية توحي بسريالية تتوشح بالحلم غير المألوف، حيث يحاول النص رصد التغيرات الحركية والفعلية للشخصيات، فالسريالية ظهرت ما بين الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية، في محاولة لتفكيك العالم المأساوي الذي خلق الحرب، وفي محاولة لتركيبه في صيغة غرائبية، بقصد تشويه المفاهيم الملتبسة والمغلوطة التي خربتها الحروب، هكذا عبر عنها بريتون ودالي في روائعه التي تدين الحروب، وما رسمه بيكاسو كان عبارة عن تحرر الصورة والطاقة من اللاوعي، واعطاءه شرعية التغيير الداخلي.. 

من هنا يمكننا الدخول إلى نص (مصالحة) الفائز في مسابقة خبر، الذي صيغ بأسلوب سريالي يحاكي المفاهيم الرواد السرياليين، فالعنوان مصالحة يعبر عن الكثير من المداليل، فالتصالح كمفهوم متعدد المعاني، يعبر عن تصالح مع الذات ومع الواقع، لكنه قد يعني مفهوما خاملاً لا يلبي الحاجة إلى التغيير، فالتصالح غالباً ما يأتي بعد مجابهات متعددة، وهنا قد تجمع المتناقضات، التصالح بين الأعداء يعبر عن التناقض الموجود بين الذات وبين الرؤية الضائعة، هو مدخل يقود إلى بوابات النص التخيلية، المليء بالتضادات، (لا تخف، قال لي بعد الحرب)، بهذه الجملة استهل الكاتب قصته كنقطة بداية هادئة، مناسبة للانطلاق نحو حركية عنيفة للنص، (لا تخف). انها دعوة للتصالح مع الذات المستلبة، مع الذات التي تلغي الخر، مع كل المفاهيم التي يتضمنها المصطلح، دعوة للهدوء بعد كل هذا الخراب الذي خلفته الحرب، فالموت كمفهوم كوني على حد تعبير هيدجر لا يخيف طالما نحن ميتون في الأصل، سلبيون لا ننتج تجددنا الاجتماعي والفكري والحياتي، بل ننتج موتنا المحقق، والخوف يأتي من العيش مع الظلم، أو مع الألم الذي تسببه الحروب. 

كل شيء يمكن إصلاحه، هكذا يحاول الكاتب استكمال رؤيته ويتابع سرده غير المتكلف لينقلنا إلى العوالم السوريالية، حيث تؤمن ببساطة الأحلام، كما يبسط الكاتب الحدث كحلم قابل للتحقق (كل شيء يمكن إصلاحه)، هو انحياز للحلم الذي يجعل الفرد يهيمن على حياته بالجدية والجمال، ثم يبدا المشهد القصصي السوريالي بالتشكل ليجيب عن كل تلك الأحلام والتمنيات (خلع ساقه الخشبية، خلعت يدي)، مشهد سوريالي يعيد تركيب حياة الشخصية، حيث لا تفيد كثيراً هنا بنيوية بارت ودي سوسير على الإحاطة بغرائبية المشهد، وإعطاء المفاهيم الدلالية، هو مشهد يظهر اقحام الدرامية السينمائية في المخيال السريالي، لخلق حالة من الدهشة نبدأ باستيعابها بعد صدمة انتهاء المشهد. فالإنسان يحتاج إلى رجليه للحركة والى بداية ينطلق منها لإنجاز أعماله بدون نزاعات، والى عينيه للرؤية المستقبلية لما هو أفضل من الواقع الحالي. 

فالساق الخشبية كناية عن المشوهين، الذين خذلتهم الحروب، فكانوا وقودا غير منصفة لها، فالمتخاصمان في النص وصلوا إلى نفس النتيجة (الكل مشوه والكل آلمته الحرب ولا بديل عن التصالح)، فهو تناص متعدد المستويات مع تولستوي ورائعته (الحرب والسلام) بكل ما تعنيه من ادانة للعبث الناتج عن الحروب. هي لعبة لا أحد يخرج منها رابحاً، وهكذا ينتهي النص بدهشة مؤثرة (وضع عينه الزجاجية على المقعد، وضعت قدمي). 

هي الرؤية والتبصر للمستقبل مقابل الرجل التي تخطو إلى الأمام، فلا رؤية ولا خطوات، مشهد سوريالي يعيد تركيب المشهد الدرامي ببراعة، هي الحرب التي تجعل من الجميع آليين، دمى للقتل وضحايا لهذه الدمى، لا يقدرون على أخذ أي قرار له، بل تحركهم المصالح المتناقضة الخالية من المشاعر، حتى بدأت هذه الدمى تفكك عناصر تكوينها على حساب الجسد المتعب، ربما استكمالاً للحلم، فقد يصبح لها عيونٌ حقيقيةٌ وأرجلٌ حقيقية متحركة تحقق بها بعض المستقبل.. 

كانت صياغة القصة مكثفة وسلسلة، تميزت بالتشويق كملمح مهم في القص القصير جداً ورغم بساطة النص وبساطة مفرداته، لكنه قدم قيمة فكرية بصياغة سوريالية تناصت مع أكثر من فكرة، وقدم قفلة اتصفت بالدهشة والقوة.. 

*كاتب وناقد 

........................................................... 

2- خطيئة .. عبدالعلي الجناتي - المغرب - الثاني 

حمل أوزاره و رحل... 

في دروب التيه، انشطر إلى نصفين باحثا عن حقيقة وجوده. 

لم يثنه شقاؤه على الإستمرار، فنصفه السعيد أكمل قضم التفاحة..! 



Abd el Ali Jannati 

Péché/ 

IL Porte ses erreurs Et disparu…Dans les chemins d'errance, 

il s'est brisé en deux moitiés à la recherche de la vérité de son existence. 

N'a pas dissuader sa désobéissance de continuer, 

l'heureuse moitié a complété la morsure de pomme ..! 

............................. 

Sin ….. Abdul Ali Jinati 

In the oblivion road, He totally split into two parts looking for the truth of his existence. His misery 
would never stop him to keep on, therefore his happy part has already finished up biting the apple. 



قراءة الناقد أ. محمد الخفاجي 


القصة القصيرة جدا ً ومن خلال عناصرها الفنية التي منها الحذف والإضمـار 

والاختــزال والتكثيـف والانزياح الـسردي تميل للقصر إلى حد كبير ومفضـل 

بل هي أرث عصرنا الحديث الذي يحبذ الإيجاز، وإذا ما رجعنا إلى التراث 

الأدبي العربي ونثره الفني سنجد ميزتين واضحتين لكل منها إدلال أدبي. 

الإيجاز والإطناب، وقد حدد لهما مقام معين؛ فلا يصح الإطناب في مقام يدعو 

إلى الإيجاز والعكس بالعكس.. كذلك عصــرنا الحديث؛ إن أردت أن تطنب و 

وتفصــّل كتبت رواية؛ وإن أردت أن توجز وتحدد كتبت قصة قصيرة جداً و 

أقصرت في عدد كلماتك فنيا ً بلا قصور في المقام. 

ونص خطيئة يتقوى بعناصر القصة القصيرة جداً بشكل مميز بداية من عنوانه 

إلى نهايته، القفلة المدهشة والملغزة أو الصادمة بعبارة أخرى. 

جاءت كلمة (( خطيئة )) مُنكرة كمدخل للنص، لتوحي بمشهد معين، ولقطة قد 

تم اقتطاعها وتكثيفها من مشاهد ولقطات متعددة؛ فيما لو قيل الخطيئة بالتعريف 

خطيئة في التراث العربي تعني الذنب أو المعصية أو الكبيرة من ( الكبائر ).. 

ومن الخطيئات التي سجلها وتأثر بها الناموس الإنساني، خطيئة الأكل من شجرة 

التفاح المنهي عنها، خطيئة قتل قابيل لهابيل، خطيئة صلب المسيح ( ع ).. 

في متن النص نرى الفاعلية واضحة من خلال الأفعال الماضية ( حمل – انشطر 

رحل- أكمل) حتى الفعل المسبوق بلم.. وهذه الأفعال تشير للغائب الـ (هو) والتي 

تحكى من خلال الحاكي ( كاتب النص ).. عبارة " حمل أوزاره " توحي وتكني 

عن الحامل للذنوب والآثام، المُثقل بالمعاصي، وهي عبارة شائعة ولها حضور 

في تراث ومعتقدات وأساطير الشعوب، منها تحمل المسؤولية عن الأخطاء التي 

يقع بها الإنسان ويقع بها غيره في التراث الإسلامي، ومنها حمل ثقل الأعــمال 

لسيزيف حامل الصخرة في الأساطير الأغريقــية الذي عاقبه الإله لتعجــرفه و 

تكبره.. وهنا حمل الأوزار والرحـيل جــاء ليديــن ويضع شخصية النص وسط 

الأحداث تتبعه وتثقــل كــاهله.. بعــدها جاءت عبارة " في دروب التيه " التي 

كتبت بعد نقاط مسطـــرة تدل على محــــذوف وكــأن الكـاتب أراد أن شخصيه 

النص تاهت بعدها و انشطرت نصفين، ولو كـان قصده رحــل في دروب التيه 

لم يضع نقاط... تدل على محذوف. 

أما الانشطار إلى نصفين بحثاً عن حقيقة الوجــود، فهو كناية عن الخير والشر 

الكامن في وجدان الإنسانية، والفعل ورد الفعل أو ما يرمز له التطهير أوالعقاب 

والثواب وبربطها بما قبلها سيكون الإنسان حامل لأثقال فعاله وذنوبه ومعاصيه 

وآثارها على وجوده في المجموع وكونه فيها خصماً وحكما ً بنحو أو آخر. 

ثم جاءت عبارة " لم يثنه شقاؤه على الاستمرار" لتكمل تسلسل الفاعلية والحدث 

داخل النص، فحمل الأوزار – الذنوب والآثام والمعاصي- وتوابعها وتيهه فيها 

وعدم تبيانه لحقيقة الخـير والـشر، والثواب والعقــاب وانشطــاره في ذلك إلى 

نصفين حائرين جعله شقياً.. لكن على غير العادة لم يؤد بها هذا إلى الضياع أو 

العدم والانتحار وفك قيد الحياة بالموت بل جاءت النهاية بمفارقة سعيدة : 

نصفه السعيد أكمل قضم التفاحة.. وفي هذه العبارة عودة موفقة إلى الخطيئة 

التي أدت إلى وجود الحياة على الأرض والخير والشر والعقاب والثواب.. 

يوم أكل آدم ع وحواء أبوا البشرية من التفاحة بغواية إبليس وخرجا من الجنة. 

وكــأنه أنهى تطهــيره لنفسه وحمله للأوزار والانشطــار ما بين الخير والشر 

والحلال والحرام والثواب والعقاب والشقاء الابدي بالعيش بأي حال فلم لا 

يكون المرء سعيداً آملاً بلا ضغوط أو أحكام مسبقة تنغص عليه عيشه. 

النص مكثف بشكل مميز معتمداً على الإيحاء والرمزية والإفادة من التراث 

الإنساني بمعتقداته وأساطيره، مع إلغاز مبسط وسخرية ما ثم مفارقـــة دالة 

خرجت عن المألوف بنحو ما. 

............................................................. 

3- حياة .. ميلاد فؤاد ديب – سوريا - الثالث 

للرأس المقطوع المرمي على الرصيف ، رسمت جسدا ، ويدين صغيرتين تضمان لعبة جميلة، وكم كنت سعيدا، حينما نهض مسرعا ،وركض وهو يلوح لي بفرح. 



La vie .. Milede Fouad 

À la tête cassée sur le trottoir peint un corps, deux petites mains sont embrasser un beau jouet, comme j'étais heureux, quand il se leva rapidement, et courut comme il m'a fait signe de joie. 

..................... 

Life …. Milad Fuad 

For the cut-off head thrown on the sideway, I have drawn a body , and two small hands hugging a beautiful toy , and oh I was happy so much . 

When he woke up hurriedly , and ran while waving to me joyfully . 

القابض على الضوء، دراسة في القصة القصيرة جداً، نص "حياة" نموذجاً 

بقلم الناقد أ. منذر الغزالي 

أولاً: مدخل 

القصة القصيرة جداً جنسٌ أدبيٌّ مختلف، محيّر، سهلٌ ممتنع. 

اختلافه يتأتى من كون الحكاية فيه شرطاً من شروط وجوده من جهة، ومن جهةٍ ثانية الحكاية فيه ليست هدفاً بحدّ ذاتها. 

ومحيّرٌ كون القصة القصيرة جداً، وهي الأشدّ تكثيفاً بين الأجناس السرديّة، تأخذ قيمتها بمدى اتساع الآفاق التأويلية، وازدياد مساحات التشظّي التي تغطيها في خيال القارئ. 

إنها، إذن، حكايةٌ من جهة، وتكثيفٌ شديدٌ من جهةٍ ثانية، ولا بدّ لهذين الشرطين أن يتحقّقا معاً، ليكون للنص مكانٌ في بانثيون الأدب، والسرد على وجه الخصوص. 

كيف لكاتبٍ أن يجمع حكايةً مكتملةً بأقلّ عددٍ من الكلمات؟ 

وكيف للقصة القصيرة جداً أن يتسع مداها الدلالي- التأويلي عمقاً واتساعاً، لتلامس جوهر القارئ، كلّ قارئ، وهي مقيّدة بحدّي هذه المعادلة الصعبة؟ 

هنا، تصبح اللغة عنصراً حاسماً، وعلى الكاتب -وهو يتصدّى لكتابتها- أن يمتلك لغته جيداً، بمفرداتها ذات الطيف الدلالي الأوسع، وهنا أيضاً تصبح الذخيرة الثقافية، والتجربة الروحية عنصراً مهماً، يتسلّح به الكاتب عند اختياره الرموز والإشارات التي، من خلالها، تتحوّل القصة المباشرة التي يحكيها النص، بفعل الكتابة، إلى حكاياتٍ لا تنتهي تتولّد، بفعل القراءة. فأدوات السرد التقليدية لم تعد كافيةً، بل ليست نافعةً في هذا الجنس الأدبي. 

لا بدّ للكاتب، إذن، أن يتوسّل بالرمز، والأسطورة، والتناص، والسريالية، بل بأنواع الفنون كلها، حسب حاجة النص الذي يكتبه، بما يشحن كلماته القليلة بأقصى طاقة تأويلية ممكنة.... وهذا ما قلنا عنه: السهل الممتنع. 

الكاتب، وهو ينتج قصةً قصيرةً جداً، يمارس على مفرداته ضغطاً هائلاً، تنتشر في ذهن القارئ، آن القراءة، وتتشظّى إلى دلالاتٍ وتأثيراتٍ عديدة، كأنّ الكاتب، وهو يمارس فعل الكتابة، يجمع حزمة ضوء، ويركزها في شعاعٍ دقيق، كما العدسة المكبرة، فيكون دور القارئ أن يضع موشوره الخاص بفعل القراءة، فيعيد نشر هذا الشعاع المركز وتشظيته إلى طيف واسع من الدلالات، كما يفعل الموشور بشعاع الضوء. وهذا ضروري، وربما أساسيٌّ، في كتابة القصة القصيرة جداً، لأنّ القارئ، حين اتّجه لقراءة القصة القصيرة جداً، لم يتخلّ عن متعته بقراءة القصة التقليدية، بمختلف مدارسها، بصورها البيانية، وحرارتها، وحبكتها وذروتها التي تحبس أنفاسه حتى يصل إلى لحظة التنوير والنهاية، إلا لأنه يريد قصةً تلخّص تجربته الروحية، في صراعه الدائم بين حجري رحى عصرٍ يدوران دون توقف، بسرعةٍ لا تنتظر، ولا تمهله حتى يفكر بأسئلته الوجودية التي تتراكم. إنه بحاجة إلى نصٍّ يحمل تجربته الوجودية هو، في زاوية منها، أحلامه الملغاة، أفكاره وهواجسه هو، وتفتح له نوافذ الأجوبة على أسئلته الوجودية الضبابية المغبشة تلك. 

لهذا... 

كانت الحكاية، وهي شرط القصة القصيرة جداً، هي مجرّد متكأ يقف عليه الكاتب ليطلق النص في رحلة معراجه نحو أفاق التأويل. الحكاية في القصة القصيرة جداً مجرّد حامل، ومضة الضوء التي تفتح في خيال القارئ، كلّ قارئ، فكرةً مرّت عرضاً في خياله، ولم يتسنّ له الإمساك بها، أو جواباً لم يدركه عن أسئلة تراوده، أو مشاركةً في رؤيةٍ خاصةٍ وفلسفةٍ للحياة والإنسان والكون. 

كون القصة القصيرة جداً حكايةً مكثّفة، فهي تكثيفٌ لتجربةٍ إنسانيةٍ شاملة، وليس ضرورياً أن يتصدّى الكاتب للموضوعات الكبرى النخبوية كي ينتج نصّاً كبيراً، فكم من موضوعاتٍ كبيرة، أراد الكاتب أن يتصدّى لها، فلم تترك لدى القارئ أيّ أثر، وكم من موضوعاتٍ بسيطةٍ، يومية، مما يمرّ بها الإنسان العادي في لحظات يومه المتعاقبة، استطاع الكاتب أن يحوّلها إلى نصٍ كبير، السرّ في نجاح نصٍّ وفشل آخر يكمن في اللغة المستعملة، وقدرة الكاتب على توظيف أدواته المعرفية والكتابية في نصّه. 

اللغة في القصة القصيرة جداً، لها مستويان: مستوى حضور، ومستوى غياب. 

مستوى الحضور هو الحكاية المباشرة، القائمة في النصّ، بعنوانه ومتنه وقفلته. أما مستوى الغياب، فهو الحكاية، أو الحكايات الموازية التي يفتحها النص في ذهن القارئ بعد الانتهاء من القراءة، وهذا يكون من خلال عمق تجربة الكاتب الروحية، وحساسيته الفائقة في ردّ فعله تجاه الأشياء والأحداث، وقدرته على استنباط ما هو إنساني، مشترك، شمولي، عميق، من حكاية بسيطة ذاتية أو عامة. 

هذا من جهة، ومن جهةٍ ثانية، ذكاؤه في استخدام طاقة النص كاملة، دون تفريطٍ بأيّ عنصرٍ من عناصره، من عنوانٍ ومتنٍ وقفلة، وحسن توظيفها التوظيف الأنسب الذي يخدم النص، ويحوّل حكايته الذاتية إلى حكايةٍ إنسانية، وقدرته على شحن عنوان النص بشحنةٍ دلالية، واختيار القفلة المناسبة التي تتماهى مع رؤيته للحكاية، ومغزاها الإنساني. 

العنوان هو الخطوة الأولى التي يمرّ خلالها القارئ في تأويله للنص، والعنوان الجيد يزوّد القارئ بذخيرة مبكرة في تفكيكه للنص وإعادة تركيبه، العنوان الذي يكشف النص أو يلخّص محتواه، يهدم البناء الفني كله، ويأتي عليه، كما كتب د. يوسف حطيني. العنوان النكرة، على سبيل المثال لا الحصر، هو لفظً عامٌّ، تندرج تحته عناصر كثيرة، أما المعرّف فهو يحدّد النص ويقيّده، كما ورد عند ابن هشام. وهذه ليست قاعدةً أو شرطاً، فالكاتب الذكي يعرف كيف يختار عنوان نصه، بالشكل الذي يفرضه النص. 

وما قلناه عن العنوان، ينطبق، بشكلٍ ما، على القفلة، فالنص وموضوعه، هو الذي يفرض قفلته: واخزة أو صادمة أو فضائية -المقصود الفضاء الزمكاني- أو متشظية منفتحة... الكاتب الناجح يعرف كيف يختار قفلة نصه، بما يساهم، بتفاعلها مع العنوان والمتن، في إعطاء النص الشحنة التي يبتغيها الكاتب من نصه. 

من هنا.... 

فالقصة القصيرة جداً تحتاج إلى لغةٍ خاصة. هي أكثر الأجناس السردية حساسيةً للمفردة. المفردة فيها لها قيمة تعادل النصّ كله أحياناً، مفردةٌ زائدة أو شاذة عن السياق تهدم النص، ومفردةٌ مشحونةٌ ذات أبعادٍ دلاليةٍ، في المكان المناسب وباستخدامٍ مناسب، ترفع النص إلى ذرى عالية، تضعه في مراتب النصوص الخالدة، على الرغم من قصره وتكثيفه الشديد. 

أخيراً.... 

فالقصة القصيرة جداً، تجربةٌ كتابية تمثّل، في غايتها، تجربةً روحّيةً إنسانية، وهذا سرّ نشوئها، وهذا مبرر وجودها. 

لذا... 

يجب الحذر، حذر الكاتب وهو يخوض هذه التجربة الكتابية، يجب عدم الاستسهال، والتعامل مع هذا الجنس الأدبي الحسّاس، بما يستحقّ من حساسية. 

ثانياً: القراءة 

لتكن تلك المقدمة الطويلة نسبياً مدخلنا لدراسة النص. 



أولاً: التجنيس 

1. العنوان "حياة" من كلمةٍ واحدةٍ مفردةٍ نكرة، مناسبٌ للعنونة في القصة القصيرة جداً، ومناسبٌ لهذا النص بالذات، بما يملكه من طيفٍ دلاليٍّ واسع، ستظهر لنا أثناء تفكيك النص. 

2. المتن: دخل الكاتب إلى نصّه بشبه جملةٍ وفعلٍ مؤخّر. قدّم الكاتب شبه الجملة ليصف لنا بطل النص "رأس طفل"، وليقدّم لنا أيضاً فضاء النص – المكان (الرصيف)، لما لهذين العنصرين (بطل النص وفضاؤه) من دلالاتٍ عميقةٍ، ومؤثّراتٍ حادّةٍ على الحكاية، أثناء الكتابة والقراءة معاً. 

ثمّ تابع حكايته متّكئاً على الفعل المؤخّر "رسمت"، منتقلاً من الأثر السكونيّ الشعوريّ الذي استدعاه مدخل النص بما فيه من تأثيرٍ إنسانيٍّ، إلى الأثر الحركيّ. بعد هذا التمهيد والتأثيث الضروريين لاكتمال الحكاية، جاءت الأفعال الحركية "نهض مسرعاً، ركض، يلوّح" متعاقبةً تتسارع فيه الحكاية نحو نهايتها في النص. 

3. القفلة: ركض وهو يلوّح لي بفرح"، قد تبدو طويلةً في نصٍّ هو بالأساس قصير جداً، ومكثف أشدّ ما يمكن من التكثيف؛ لكنها قفلةٌ ضروريةٌ لإكمال الحكاية، بشقيها: الحكاية المباشرة الحاضرة في النص، كما كتبها الكاتب، والحكاية، أو الحكايات الموازية التي سيولّدها النص بفعل القراءة. وهي قفلةٌ خبريةٌ إلا أنها تحمل في داخلها انفتاحاتٍ تحتاجها كلّ القراءات، وكلّ القرّاء الذين سيتمثّلون النص، كلّ من جهته وزاويته، مهما اختلفت القراءات والقرّاء، وسنرى ذلك بعد قليل. 

4. التكثيف: نصّ مكثفٌ تكثيفاً شديداً لم يؤثّر على الحكاية، جاءت الحكاية مكتملة، دون أن يلجأ الكاتب إلى نقاط الحذف حتى. 

5. إذن، النص هو قصةٌ قصيرةٌ جداً بامتياز، مكتملة الشروط. 



ثانياً: تفكيك النص: 

لا يغيب عن القارئ أنّ حكاية النص مبنيّةٌ على إعادة خلق لثنائية الموت – البعث، وأساطيرها القديمة منذ تموز البابلي وأدوني الفينيقي السوري وأدونيس الإغريقي، وما توالد عنها من أساطير لدى كلّ شعوب الأرض تنسج على منوالها، باختلافاتٍ تتناسب وحالة تلك الشعوب، حتى وصلت إلى أكمل صورها، وأخذت حالتها القدسية الدينية في صلب يسوع الناصريّ وقيامته. 

وليس هذا معيباً للنص، ولا مغلقاً أبواب القراءة المتجدّدة له. فالأسطورة كانت على الدوام مرجعية للفن والأدب على مرّ العصور. والقصة القصيرة جدّاً، إذ تتكئ على الأسطورة، فإنها لا تعيدها مكرّرةً كما هي، بل تستعير منها رمزيتها، لتخلق نموذجها الأسطوريّ الخاصّ بها. 

الإنسان، في بدء تشكّل وعيه، وجد نفسه في مواجهة الموت، فابتكر الأسطورة، يواجه بها ذلك الحدث الرهيب، الخارج عن الوعي والإرادة، وابتكر فكرة عودة الميت، وإعادة بعثه من جديد، كي يتغلّب على مشاعر الحزن التي تعذّبه وهو يقف عاجزاً عند فقده من يحب، غير مصدّقٍ أنّ هذا الغياب سيكون أبدياً، فكانت الأسطورة هي التعبير الفني -الأول ربما- عن هذه التجربة القاسية. 

إذا كان الإنسان خلال مسيرة وعيه الطويلة قد استوعب فكرة الموت الحتمية أو تأقلم معها على الأقلّ، فإنّه يقف عاجزاً من جديد أمام فظاعة القتل الذي يحصد الجميع دون تمييز، بهذه البشاعة والكثرة التي لم يعد العقل يستوعبها، ولم يعد إيمانه يكفيه لبثّ الطمأنينة النسبية في وجدانه، لذلك ابتدأ النص بهذه الصورة الرهيبة: "للرأس المقطوع المرميّ على الرصيف". ما أبشع هذه الصورة، وما أشدّ إيلامها!... الرصيف الذي تلقى عليه أعقاب السجائر والاوراق التالفة، وأشاؤنا المهملة التي لا قيمة لها، ليأتي في الصباح عامل النظافة فيكنسها ويضعها في حاوية المهملات!!! .... هذه هي صدمة الإنسان في زمن الحروب العشوائية والموت المجانيّ ، كيف لضميرٍ إنسانيٍّ أن يحتمل؟ وكيف لوجدانه الجمعيّ أن يقبل كلّ هذه البشاعة؟ 

من هنا كانت أهمية المدخل في النص، ومن هنا كانت أهمية المكان، إنهما الأكثر إلحاحاً والأشدّ تأثيراً، لا يحتملان الانتظار أو التأجيل. 

إنها جريمة العصر- كل العصور، جريمة الإنسان- كل الناس، جريمتنا، جريمة الراوي الذي يشعر بالذنب لمجرّد عجزه. 

الشعور بالذنب الذي أقلق الضمير الجمعي، وأفقده سكينته وطمأنينته، ولا بدّ له أن يستعيد توازنه المفقود، بحاجةٍ إلى غفرانٍ من نوعٍ ما، أن يقول له هذا الطفل القتيل، إنه يفهم عجزه أمام جنون القتل المستشري، ويغفر له، لذلك كانت القفلة "لوّح لي بيده فرحاً"، هي المعادل الرمزي للغفران الذي يفتش عنه الراوي – الإنسان. هي المعادل الفني لقيامة يسوع الناصري الذي صلب بعد أن سلّمه يوحنّا الإسخريوطي، وعجز المؤمنون به عن ردّ هذا الصلب. 

ورد في الكتاب المقدس عن صلب المسيح وقيامته: "الذي أُسلِم من أجل خطايانا وأُقيم من أجل تبريرنا". (رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية الإصحاح الربع الآية 25). 

يسوع الطفل استوحي في موضوعات الفن المسيحي منذ القرن الثالث أوالرابع. 

والمسيح هو أيضاً من قال: "دعوا الأطفال يأتون إليّ ولا تمنعوهم، لأنّ لأمثال هؤلاء ملكوت السماوات". (إنجيل متى الإصحاح 19 الآية 13) 

هذا هو معنى الطفولة في الوجدان الجمعي، الديني والشعبي، في مقابل فظاعة المشهد الذي دخل به الراوي النص، وبنى عليه حكايته. 

إذا عدنا إلى العنوان، "حياة"، به تكتمل الحكاية – الأسطورة. 

"حياة"... هي الإصرار اللاشعوري الرافض لهذا الموت، غير المصدّق به. 

"حياة"... هي الحلم الملغى الملحّ، العاجزون عن تحقيقه. 

حياة!... هي الكلمة الساخرة المتسائلة المستنكرة، في وصف حال الأحياء. 

"حياة"... هذه الكلمة تلخّص السؤال الوجودي الأهم: ما جدوى هكذا حياة؟، ما قيمة حياتنا أمام قتل البراءة بهذه البشاعة؟ هل نحن حقاً أحياء بعد كل ما فعلناه ونفعله؟... "هذه حياة؟!!" 

الظامئ في الصحراء يفقد القدرة على كل شيء؛ لكنه لا يني يكرّر: "ماء... ماااااء"، يستجدي قطرةً صغيرةً، إمّا أن يجدها فتتحقق المعجزة، أو يموت وهو يكرّرها. 

هذه حالنا في صحراء الجهل والحقد واللؤم والفظاعة، نكرر مع الراوي بلا توقّف: حياة... حياااااة"، علّ المعجزة تتحقق. 

أخيراً.... 

هل فكّر الكاتب، وهو يكتب قصته، بكلّ هذه الأبعاد لقصته؟ هل جاء ترتيب النص من مدخله حتى قفلته وفق خطّةٍ لتكون كما قرأناها؟... قد يكون كذلك، والأجدر ألا يكون. 

الكاتب، حين تداهمه قضيةٌ وجوديةٌ كبيرة وتلحّ على وجدانه، يصبح في حالةٍ أقرب إلى المتصوّف في لحظة إشراق نورانية، يفقد اتصاله بالعالم، ويدخل في غيبوبة سكره الصوفية، ويكتب ما تستدعيه رؤاه بحسب درجة إلحاحها وصورها الأكثر إيلاما وإشراقاً. 

الحالم لا يختار حلمه؛ غير أنّ الحلم يستدعي رموزه حسب درجة تأثيرها على اللاشعور، في لحظة غياب الرقيب الشعوري. 

منذر الغزالي 

بون 25/ 2/ 2018 

.................................................................. 

4- هلاوس .. عبدالنعيم بغيبغ - الجزائر - الرابع 

سمع صوت انفجارات في فجوات عقله، أخذ يعدو هاربا من وقعها، وجد ملاذه في النهر، أطفأ حرائقه فيه، عاد يحمل أغصان الزيتون في قلبه. 

Abdel Naim 

Beghibegh 

hallucinations 

Il a entendu le bruit des explosions Dans les trous de son esprit, et il a fui de l'impact 

Il trouva son sanctuaire dans la rivière, éteignit son feu et revint portant les branches d'olivier dans son cœur. 

............ 

Hallucinations ….. Abdul Naeem Bghaibigh 

Now He heard sounds of explosions in the holes of his mind . So he started to run , getting out of its effects . Later he found a shelter in the river, so he extinguished his fires in it . Now he returned holding branches of olive in his heart . 

قراءة.. الناقد أ. طالب الدراجي 

هلاوس جمع هلوسة ، ومعناها هَذَيان، أو تَخْليط، كلام بغير مَعقول، وغالبا ما يكون السبب خارجي كالمرض أو المخدرات أو البنج الطبي في العمليات ، والهلوسة لا منطقية في مفعولها ولا عقلية في مدلولها ، قد تكون فكرية حين تتخبط الأفكار ببعضها ، أو يشعر المرء بنوع من الانفعالات الذاتية نتيجة قلق أو تفكير مضاعف ، فاننا نجد في المقطع الأول من القصة ما مضمونه : (( سمع صوت انفجارات في فجوات عقله)) 

دلالة على ارتفاع صوت تفكيره لمستوى عالي جدا ، مما سبب له ضجيج لا يُحتمل ، وهذه الحالة ليست مخصوصة بمرض أوعاهة ؟ ، بقدر ما هي حالة عاطفية أو تكون نفسية ، وتحدث نتيجة انهيارات نفسية متأزمة وجاز له ان يصف تفاعلات أفكاره بالأنفجار لتحركها في خواطره وتماسها مع أحاسيسه ، على درجة من النشاط عالية ، ثم نجد في المقطع الآخر : (( أخذ يعدو هاربا من وقعها)) وهنا قد تحقق التعبير المجازي ووقع على شاكلته من حيث التكثيف والايجاز ، فالعدو بمعنى الانشغال والبحث عن اي طريقة لتجاهل اصوات تفكيره ، إذ أن قوله (( أخذ يعدو)) منطقيا من حيث المجاز وهذا الاستعمال يجوز للتعبير في الفعل ((أخذ)) في مفهوم السياق ، بينما كان ((يعدو)) بمعنى الفعل ، التحرك والمضي قدما في تغيير ما يجري داخله ، ففي الاية ((فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ)) وضوح تام إلى ان العزيمة للرجال لكن الضمير جاز في مثل هذا ، من جهة اخرى ان استجلاء المفهوم في المعنى المجازي أي أن التجاوز في الإسناد لم يؤدِّ إلى غموض ما في المعنى ، وتلك الصلة القائمة بين الانفجارات ـ الفاعل الحقيقي للوقع ـ وبين الهروب كرد فعل ((أخذ)) . 

في المقطع الثالث للققج : (( وجد ملاذه في النهر)) نلاحظ انتقالة من الداخل إلى الخارج ، من ضجيج الافكار ، إلى الواقع ((النهر)) حيث يظهر المكان قبل الزمان ، باعتباره أرض الحدث ، ثم يجيء الفعل : ((أطفأ حرائقه فيه)) وهنا نعود لنقطة البداية ((سمع - أخذ - - وجد - أطفأ - عاد ) القصة مكتملة النمو والنضوج من حيث الفعل والحدث والمكان والزمن ((عاد )) هو زمن نفسي وليس زمن رياضي او انجازي او البيولوجي ،(( عاد يحمل أغصان الزيتون في قلبه)) في هذه القصة حقبة زمنية انجازية لحين ((عاد)) تتحول زمنية الانجاز (نفسية ) وهنا يكون ((النهر)) الطريق الصحيح ، او المجتمع الصحيح ، والاحتمالات كثيرة قائمة جميعها على مفهوم الانسانية ، بالعودة إليها مفعم بالسلام والطمانينة ، القفلة تغير مسار الأزمة من التفكير الى العاطفة ، من العقل إلى القلب ، فنستنتج من هذه القصة مفهوم جميل جدا وانساني : ان الإنسان لا يهدأ حتى يجد نفسه في مكانا أو مجتمع أو بيئة أوشخص مناسب له . 

........................................................ 

5م- استعارة .. مهاب حسين مصطفى - الخامس مكرر 

انتبهت أني بلا رأس عندما نطرت للمرآة هذا الصباح . زملائي في العمل ، الناس في الشارع ، لم يلحظوا ذلك!. 

ابتعت واحداً من سوق المدينة .. 

لم يكن يشبهني . 



Une métaphore/ Mehab Hussein 

J'ai remarqué que je n'avais pas de tête.. 

Quand je me suis précipité au miroir ce matin. 

Mes collègues au travail, les gens de la rue 

, ne l'ont pas remarqué! 

J'ai acheté l'un des marchés de la ville 

Ce n'était pas comme moi..

.......... 

Borrowing …. Muhab Hussein 

Noticing that I was without head, as I was looking in the mirror at this morning . Even my colleagues in work , people in the street , didn’t notice that ! so I have bought one from the city market 

قراءة.. أ. خلدون الدالي 


مقدمة: 

من المعلوم أن القصَّة القصيرة جدًا جنس أدبي حديث يقوم على الاختزال الموحي للأحداث، والتَّنازع بين الواقعيَّة والشاعريَّة والرمزيَّة والتَّمحور على لعبة الإدهاش والانزياح وإرباك المتلقي من خلال بلاغة الإيجاز والإضمار والحذف والصُّور المجازيَّة. 

--- 

1-العنوان: 

يشكل العنوان عنصراً أساسيّاً في النّص لا سيما في القصة القصيرة جداً فهو المفتاح الإجرائيّ الذي يمكن من خلاله الولوج إلى عالم النّص، وكشف أسراره.. 

وله قيمة سيميولوجيّة في توصيف النّص واختزال المضمون. 

وبالتالي كانت إيجابية عنوان القصة السابقة (استعارة) 

عاملا مساعداً بجعل الحدث نقطة البدء، ليجنح بعيدًا بخيال القارئ أبعـد من تخوم النص... 

(اِسْتِعارَةٌ) 

اِسْتِعارَةٌ/مصدر 

اِسْتَعارَ : 

اِسْتَعَرْتُ،أَسْتَعِيرُ،اِسْتَعِرْ، مصدر اِسْتِعارَةٌ. 

إستعار الشيء منه ، أو إستعاره الشيء : 

لكن ما يمكن أن يكون المستعار في هذا النص؟ 

عتبة النص توضح لنا ذلك: 

-(تنبهتُ أني بلا رأس) 

بدأ السّارد جملة البدء بمفاجأة ومباغتة : 

تحمل أبعاداً رمزية ودلالات تنزاح عن المعنى الأصلي.. 

إلى معانٍ تؤسس لمفاهيم العقل والفكر الإنساني.. 

- رَأْسُ الإنْسَانِ: (جزء من البدن) 

الجُمْجُمَةُ فِي أعْلَى الجِسْمِ، وَهُوَ يَضُمُّ /الدِّمَاغَ /وَحَاسَّةَ النَّظَرِ/والسَّمْعِ /وَالذَّوْقِ والشَّمِّ/ 

الرأْسُ /هو الوعاء لملكة التفكير والنظر و هو المقصدية والهدف..إذن شخصية القصة أضحت دون نظر/تفكير/عقل 

فما عساه أن يكون السبب ؟ ولماذا هذا الإنهزام والضعف..؟ 

-(زملائي في العمل، الناس في الشارع لم يلحظوا ذلك.. !) 

تحمل هذه الجملة إيحاءات رمزية، وإحالات فلسفية وتأملية وفكرية..ويعني هذا أن هذه القصة موحية بدوالها المنفتحة والمتشعبة، والدالة على تيه الشخصية وتأمله الحدسي في فلسفة الوجود والكينونة والإنية. 

ويشير السارد من خلالهما– واقعيا- إلى التنافر الواقعي..فرغم (تفطنها) إلى ما أضحت عليه حاله فإن المحيطين به لا ينتبهون 



تحمل على التساؤل المستمر، و التأمل العميق في قضايا قد تبدو واقعية فلسفية فكرية وجودية . 

ولكن كما هو الأمر يصبح سؤلاً يؤرق السّارد، وبالتالي القارئ المتلقي. 

فالمجتمع المحيط بالشخصية: 

في الشارع و في العمل (في كل مكان) أضحوا جزءاً من واقعه أو بالأحرى صارت الشخصية جزءاً من المجتمع المحيط متماهية معه تماماً.. 

ويبقى السؤال أين الأنا؟ 

بإعتبارها “أنا“ متمايزة عن الإنوات الأخرى.. 

إذن هناك إشكالية وجودية بالأساس تطرح العديد من التساؤلات: 

من أنا؟ وكيف أكون؟ ومتى؟ 

هل بالتفرد والتمايز عن الآخر أو التشبه به أو تقليده؟ والأسئلة التي طرحت ومازلت كثيرة .. 

وهي في الواقع إشكالية قديمة وحديثة أيضاً.. 



-الخـــــاتمـــــة: 

الخاتمة في القصة القصيرة جداً، وضع مصيري في الفكر والسلوك والإحساس توفر شيئاً كثيراً من التوهج الذي ينتقل إلى المتلقي حالة إدهاش تحرّك رغبة ما للسؤال والتساؤل والتحليل والتركيب.. 

و هنا تكمن أهمية الخاتمة وقيمتها التي من المفروض ألا تمر مرور الكرام دون أن تخلق أثراً يدفع إلى الحركة والمعرفة ... 

بالتالي جاءت القفلة في النص جيدة وهادفة ولكنَّها تفتقد عنصر الدهشة و التّأمل. 

-فغياب «الأنا» باعتبارها «ذاتاً» مفكرة /عاقلة أنما يعود إلى استعارة ما ليس له، ما به يكون الآخر «لا هو». 

فالنتيجة الكل أضحى قالباً واحداً.. 

وأيًا كان النص في نهايته.. 

فثمة ظلال إيحائية تعيدنا مرة أخرى للنص لتصدمنا به؛ ولتنبهنا إلى حدث قد يكون واقعًا واشكالياً صادماً.. 

وخــــــــلاصة القول: 

أن هذا النص على الرغم من حجمه القصير جدا، فإنه يطرح أسئلة كبيرة وجادة.. 

-النص لم يكن موجزاً وحسب، بل يعبر عن موقف شمولي، ونجح الكاتب في استخدام كلمات قليلة في إيصال الرسالة التي يريدها. 

-استطاع أنْ يترك بصمته الفنية رغم بعض الأخطاء والهنات..(يشبهني ⇦ يشبههني ) 

-القصة انتقادية كاشفة تعالج إشكالية فكرية وجودية و تثير الكثير من التساؤلات. 

أبارك للكاتب الفوز .. 

متمنيّاً له دوام الإبداع 



.................................................... 

5 م- نقمة .. سامر الاسمر – سوريا - الخامس 



قلّبتُ كلَّ الرُّؤوس بحثاً عنه... 

كلّها ترمقني بعيونٍ مشفقة، إلّا واحداً نظرَ إليَّ باحتقار. 

وضعتهُ فوقَ جسدي وَمضيت. 



Une malédiction .. Samer El Asmar 

J'ai tourné toutes les têtes à la recherche de lui 

Tous les yeux me regarder avec pitié, 

mais un seul me regarde avec mépris 

Je l'ai mis sur mon corps et je suis allé 

...................... 

indignation ….. Samir Al-Asmer 

Looking for it, I turn all the heads over .. 

All now are looking at me in pathetic eyes, save one looking at me scornfully. 

Then I put it on my body and went awa

قراءة د. سوزان اسماعيل 

========= 

نقمة مصدر لفعل نقم وهو ( أَنْكر وَعَاب وكَرِه أشَدّ الكَراهَة. "نَقَم عَلى فُلان أعماله"). 

يعني هناك أعمال بشر أدت لديه للنقمة، وسنعبر بالنص لنتحرى عن سبب هذه النقمة. 

جسد النص والسرد: 

هنا يتحدث الكاتب بضمير المتكلم فهو البطل والراوي لأحداث القصة، كأنه دخل في مقبرة جماعية، أو حقل تتناثر به الرؤوس، ولعمري ماهذا المشهد إلا خليفة حرب أو أعمال إجرامية، ترامت هذه الرؤوس لبشر فصلت عن أجسادهم، دخل هذه الأرض باحثا عنه ( الرأس ).. والأغلب أنه يبحث عن شخص بعينه. 

كل الرؤوس تنظر له بإمعان مشفقة!!. 

لماذا تشفق عليه؟. ربما لهيئته المليئة بالقهر والخذلان، ربما لكمّ الحقد والشرر والانتقام الذي يتطاير من عينيه، أو لنهايته؟ !. 

إلاّ واحدا وهو رأس نظر إليه باحتقار!!. 

لماذا ينظر له باحتقار؟!. 

إما لكره تجذر بينهما، أو لنظرته المتعالية عليه، فربما هذا الرأس يعود لجسد حاكم مستبد، ناقم، أو لإنسان تعرض للقهر والظلم وخنع له!!؟. لم نعرف ولم يوحِ لنا الكاتب بأي إيحاء، أخذ هذا الرأس الذي نظر إليه باحتقار ووضعه فوق جسده.. يعني الراوي كان مقطوع الرأس عبر بين الرؤوس باحثاعنه، وهو ينظر له باحتقار أي لذاته، إما لأعمال إجرام وشرور قام بها، أو لتقاعسه عن نصرة المظلومين والدفاع عن إنسانيته، أو لذله وخنوعه!!. 

عودة على بدء.. هنا يفسر ماجاء بمفهوم العنوان ’’ نقمة ’’ .. نقمة على الذات. 

وربما نقرأه بتأويل آخر: فكرة النص أن هذا الإنسان غير راض عن نفسه، والناس تشفق عليه. ، وإذا اعتمدنا فقط على دلالات النص، فالرؤوس المقطوعة ممكن أن تكون دلالة لشعب غبي لايستعمل دماغه ، يعني بلارؤوس، طالما أن البطل يتحرك ليبحث عن رأسه وهم نظروا بشفقة، معناها هم أحياء، والرأس المقطوع هو رمز لعدم استخدامه. 

لابد أولا من الوقوف عند المفاهيم الحاضرة في النص، ذلك أنه من الصعب الجمع بين مفاهيم تحمل أبعادا مختلفة بدءا من علم النفس، علم الاجتماع، و الأدب، خاصة و أن لكل من هؤلاء أسسه التي يرتكز عليها. 

من المعروف أن ما يسمى بالتحليل النفسي كنسق قام بتأسيسه المحلل النمساوي "سيغموند فرويد"، و هو نسق يندرج في خانة علم النفس، و له آلياته و مفاهيمه الخاصة به. 

هنا يطرح السؤال حول ماهية العلاقة التي تجمع بين التحليل النفسي و الأدب؟ 

هناك علاقة بين الطرفين فهي علاقة تكامل، تكامل يتجلى في كون التحليل النفسي غالبا ما يقوم بخلخلة بعض المسلمات كافتراضه بأن "الأنا ليست سيدة ذاتها"، أما الأدب فمن خلاله نحاكي إنسانيتنا التي تفكر و تتكلم، و فيه يستطيع الإنسان أن يسائل قدره الكوني و التاريخي و اشتغاله الذهني و الاجتماعي. 

النص الأدبي هو تعبير عما يعيشه الأديب من تناقضات في محيطه و مجتمعه؟ أوليست العلاقة التي تجمع بين مكونات الجهاز النفسي هي علاقة تناقض تنم عن مجموع الصراعات الداخلية للذات المتأثرة بمجموع التراكمات الحاصلة في محيطها؟ أظن عند الإجابة عن هذه التساؤل سيتضح الارتباط الحاصل بين هذه المفاهيم، و هو طبعا تساؤل يحمل في طياته الإجابة. 

نص جميل، استحوذ عناصر القصة القصيرة جدا، كتب بسلاسة، لم يدخل في الرمزية الشديدة، وبمفردات بسيطة. 



ذكرني النص بقصص لبعض الشعوب حول الرؤوس المقطوعة: 

ـ كان الماوري ( شعب النيوزيلندة القديم ) يحتفظون بالرؤوس المجففة، ويقومن بوشمها، لم يكونوا يحتفظون برؤوس زعمائهم فقط , بل برؤوس أعدائهم أيضا .مقابل العصي السحرية التي يستخدمها الرجل الأبيض لقتل أعداءه .. أي البنادق .. ومن هنا نشأت واحدة من أبشع أنواع التجارة وأكثرها بربرية … البنادق مقابل الرؤوس المقطوعة . 

ـ وادي الرؤوس المقطوعة في شمال كندا ( إشاعات مفادها أن الوادي مسكون بأرواح شريرة، أو أن مخلوق مفترس ذو القدم الكبيرة، أو الهنود الحمر في منع الطامعين من ولوج بلادهم بالبحث عن الذهب ) 

تحياتي وتقديري للأستاذ سامر الأسمر، وبدوام التألق والنجاح...

إرسال تعليق

أحدث أقدم

تابعنا على جوجل نيوز

هلا ومرحبا بكم : وكالة خبر حمل التطبيق الان