دراسة في كتاب (مقاربات نقدية في اشكالية القصة القصيرة جدا) دراسة في كتاب (مقاربات نقدية في اشكالية القصة القصيرة جدا) -->

دراسة في كتاب (مقاربات نقدية في اشكالية القصة القصيرة جدا)

دراسة في كتاب (مقاربات نقدية في اشكالية القصة القصيرة جدا) - عراق جرافيك


دراسة في كتاب (مقاربات نقدية في اشكالية القصة القصيرة جدا)

يكتبها: الأديب/ عبدالحسين رشيد العبيدي



لعل ما قاله النفري ( كلما أتسعت الرؤيا , ضاقت العبارة ) يجد مصداقا له في القصة القصيرة جدا الآن . ربما يقصد النفري بضيق العبارة ,التكثيف ,أحد أبرز سمات الق ق ج . وأن محدودية الفضاء السردي , وصغر مساحته في القصة القصيرة جدا , والذي أفصح عنه عنوانها عبر كلمة ( جدا ) . الزم كتابها التقيد بضوابطها واشتراطاتها , التي تشكل بنيتها الداخلية ,مما خلق حراكا نقديا متباينا حول ماهيتها وضبط مخرجاتها , لتقنين تعامل الدرس النقدي معها .الامر الذي أدى الى أشاعت مفاهيم وقيم متباينة بل متعارضة في التعامل مع نص لا يأل البعض جهدا في أنجازه بست كلمات ليصل احيانا الى الخمسين كلمة مما أدى الى خلق فوضى إجرائية , لخلق نص يتناغم مع التطور المتسارع المحكوم بالتكنلوجيا في سعيها الى أتمته الحياة ... ومن هنا جاءت أهمية كتاب [ مقاربات نقدية في إشكالات القصة القصيرة جدا ] للباحث عباس عجاج والصادر عن دار أمارجي ب 149 صفحة ليرصد لنا هذا النزاع المحتدم .

وبغض النظر متى ظهرت ومن هم الرواد الأوائل وهل هي نوع او جنس , تبقى القصة القصيرة جدا , الأكثر أثارة للجدل . يرصد الكتاب كل الآراء في مجالات الخلاف الذي يمتد من الاسم حتي الجملة الأخيرة للنص المسماة بالقفلة او الدهشة مرورا بالتكثيف , ونوعية الجملة , واللغة . يقول المؤلف في كلمته [ حرصنا في كتابنا هذا ان نتوخى الدقة في نقل المعلومة من مصادرها , وعرضها بحيادية تامة , مع الإشارة لما نختلف به عمن سبقنا ]وبذلك نكون على بينة منذ البدء مع هذا العمل البحثي .

ويحدد الباحث هدفه بأنه [ يأمل من خلال هذا الكتاب أن نقدم للباحث العربي عصارة ما جاد به من سبقنا في بيان ملامح هذا الفن الادبي ومقاربة أوجه النقد المختلفة ] ويضيف [ وتبيان مواقع الخلل المصاحبة لإشكالية فهم هذا الفن القصصي المتأثر بالمعلومات الخاطئة المتواترة في بعض الكتب التنظيرية ] لقد قسم الباحث الكتاب الى ثلاثة فصول مع نظرة عامة بعنوان الخطاب السردي للقصة القصيرة جدا .وهي اشكاليات نقدية . اشكالات التداخل الأجناسي .واضاءات تاريخية وهو فصل في ارشفة ملتقيات ومسابقات والمواقع الإلكترونية والدراسات النقدية والترجمة و... و..و للقصة القصيرة تتقدمه دراسة سريعة في الريادة التاريخية شككت في ريادة نوئيل رسام ولم تطرح بديلا , وربما لقلة المصادر او انعدامها لم تشمل في سعيها المغرب العربي, يقول الناقد صباح محسن كاظم في المقدمة التي كتبها بعنوان أرشفة القصة القصيرة جدا , كما لو أنه يحدد سلفا نوعية هذا العمل [كانت المباحث مشبعة بالرؤى والأفكار ومدعومة بالأمثلة , والإجراءات , بنماذج مختلفة من القصة القصيرة جدا ] ص8 ومن هنا جاءت أهمية الكتاب في رد صد الآراء المتباينة . أن معاينة الجهد النقدي المتعارض والمتباين لهذا النوع الأدبي عمل شاق يمثل جهد مبدع ومنتج .

في الفصل الأول وهو يشكل قلب الكتاب يتعرض الناقد الى جملة من الإشكالات المصاحبة للقصة القصيرة جدا , والتي أنغمس فيها الدرس النقدي , ولازال المشتغلون بالسرد يعانون من تداعياته ابتداء من ( مفهوم المصطلح وإشكاليات جدا ) . كما فند الرأي القائل بأن القصة القصيرة جدا هي قصة قصيرة أكثر صغرا بالحجم عبر مجموعة من المؤشرات التي أوردها بنقاط .لقد لعبت كلمة ( جدا ) دورا محوريا في التسمية , وفرضت اشتراطاتها المكونة لبنيتها الداخلية , والتي الزمت الكتاب بالتعامل معها عبر مجموعة من الأليات التي تحقق لها هذا التميز .ليعود الكاتب لاحقا وعبر موضوع ( جدا المفهوم والمعنى ) ليتعامل مع المصطلح من زاوية أخرى .ليصل الى ( ان تسمية القصة القصيرة جدا هي التسمية المطابقة تماما لنوع قصصي قصير يستقي أسسه الجمالية من بنيته الداخلية )ص33 وقد وضح الباحث التباين بالمعايير الفنية التي أنتجها دارسو الأدب من خلال جدول يثبت المعايير الفنية لدى عدد من دارسي القصة القصيرة جدا من خلال موضوع ( إشكالية الاختلاف حول المعايير الفنية ) .ص35 .لقد كان هذا الجدول أجراء عمليا موفقا نجح في جمع الآراء المختلفة في مكان واحد مما سهل على الدارس والمتابع ملاحقتها والاطلاع عليها .وقد اشبعه الباحث توضيحا عبر المقابلة والمقارنة بين أراء الباحثين ( من خلال هذا الجدول سنتعرض لآراء بعض الباحثين ممن كتب حول معايير القصة القصيرة جدا , ومدى الاختلاف فيما بينهم , وسنحاول الوصول الى المشتركات وتفنيد الاختلافات )ص35 ليستخلص في النهاية [ ان الباحثين لم يتفقوا على معايير ثابتة , وقد أورد كل منهم ما يرى هو من وجهة نظره ]ص36 .

ومن لطائف ما تعرض له الباحث مشكلة يومية تتعلق باختصار المسمى الى ( ق ق ج ) الذي عده البعض لقلقة مسيئة ,حيث اشار الى أن الاختصارات صارت لغة عالمية تستخدم في شتى صنوف الحياة ًص26 .وكذلك فبما يتعلق بالتجنيس فأن الباحث لم ير ضيرا سواء كانت الق ق ج جنسا ام نوعا وهذا في رأيّ تبسيط , كما بين الأصل والفرع . فهي نوع من جنس السرد لها بعض خصائصه وتحتفظ بمميزات تعنيها وتفترق بها عن أنواع السرد الأخرى . وفي التكثيف الذي يعد أحد أهم أليات السرد القصير جدا يتناوله الكاتب بشيء من التأكيد , حيث نقل ما أعلن عنه الكثير من دارسي الق ق ج فأورد رأي د . أحمد جاسم الحسين بأن هناك نوعين من التكثيف ( أيجاز الحذف ) و ( أيجاز القصر )الذي يعتمد على كثافة الجملة مع أتساع معناها دون حذف .ويرى فيه الباحث أنه الأنسب للق ق ج ص39 دون تقديم المبرر .وذكر تحديد القاص الجزائري شوقي بن حاج للتكثيف , بالدلالي الذي يعتمد على فتح النص على مجموعة من التأويلات , والبنائي الذي يعتمد على تخليص النص من الزوائد ,كالجمل والكلمات والحروف غير الازمة , والسيكولوجي وهو تفكيك الذات لمكوناتها . ونقل الباحث الخطوات الإجرائية التي حددها الباحث صبري مسلم للوصول الى التكثيف بالجمل القصيرة المركزة ذات الطابع الموحى , الاقتصار على أقل عدد ممكن من الشخصيات , تركيز الحوار والاستغناء عنه اذا أمكن , واختزال الحدث القصصي . وهذه خارطة طريق او توجيهات في كتابة ق ق ج أكثر من كونها تتعلق بالية واحدة هي التكثيف ولعل مرد ذلك لما يمثله التكثيف من محورية في الق ق ج .وقد عرف جعفر حبش التكثيف في موضوع التكثيف والرؤية النقدية بأنه [عملية ذهنية شديدة الحساسية ]ص40 وبعد هذا الاستعراض يرى الكاتب [ بأن التكثيف شمل الحدث اللغة معا ]ص43 . لينتقل بعدها الى القصية والحكائية ليقر بأن المفردتين تحملان نفس المعنى و[ أن القصصية تعتبر مطلبا شرطيا في كل نص سردي , وليس حكرا على القصة القصيرة جدا ]ص45 .وفي موضوع الوحدة تمت الإشارة الى ضرورة وحدة النص التي تحقق عبر وسائل البنية السطحية للنص كالضمائر وحروف العطف على أساس البنية العميقة كاتحاد المضامين ص46 ليقول [فالوحدة المراد بها للنص تلك التي تحقق التماسك البنيوي وسلامة اللغة , ولا يجب ان تحجم خيال الكاتب ,او تحد من قدرته على تجاوز تلك الأحكام المعيارية ] .

وفي المفارقة او الدهشة او المباغتة [فما هي سوى مسميات لجماليات ومهارات يتمتع بها الكاتب , وعلامات تشويق ] ص51 ورغم تأكيد أهميتها الا ان الباحث لا يرى ضيرا قي عدم وجود القفلة كما يسميها البعض لوجود بعض الكتابات الناجحة التي لم تعتمدها . أن القارئ يقيم مع النص عقدا تشاركيا يتيح له حرية التوقع , ويستمر هذا حتى الجملة الأخيرة للنص القصير جدا التي تسعى لكسر افق توقع القارئ مما يلزم بالتأويل , الذي يمنح النص علو جماليا متعددا بتعدد أوجهه, لذلك فالنصوص التي تنتهي بالقفلة أكثر أتساعا وإبهارا . يتناول الباحث الى بعض المميزات الأخرى كفعلية الجملة التي يرى فيها الباحث ليس شرطا ضروريا في تكوين الق ق ج رغم ما تشيعه في النص من حركية وتسارع يكون وسيلة لخلق نص مكثف رغم ان بعض النصوص كانت بجمل أسمية وهي في طبيعتها ساكنة وتحتاج الى توضيح رغم ان الباحث استشهد بنص للناقد ميمون مسلك حول افضلية الجملة الفعلية [القصة القصيرة جدا او القصيرة حين تكثر او تتوالى جملها الفعلية . فهذا عمل مقصود من القاص يدل على انه يرغب في خلق ديناميكية وحركية في النص , باعتبار أن الجملة الأسمية سكونيه وتناسب كل وصف او سرد هادئ ] .ص56 .ليصل الى نتيجة [ نرى القول بأن فعلية الجملة ركنا اساسيا في القصة القصيرة جدا ليس واقعيا , بل مبالغا فيه , وإنما تسخير الجملة المناسبة للوصول بالنص الى ذائقة يرتضيها القارئ ] .وهذا الاستنتاج ليس دقيقا فلا القراء نمط واحد ولا الق ق ج وجدت لأغراض تجارية لتستعطف الجمهور وتسترضيه .وفي أطار شعرية اللغة التي خلق التباسا شائكا لدى الكثيرين بسب كلمة ( شعرية ) التي تحيل الى جنس أخر وتوحي باستلاب خصوصيته كما حصل مع كلمة( جدا ) في عنوان الق ق ج وأثارته زوبعة حول الحجم والطول . فاللغة الشعرية ليست هي الكلمات التي تسعى للتعبير عن المشاعر والعواطف والأحاسيس بل هي خروج اللغة في النص عن واجبها النمطي ( الخبري ) (عبر الانزياح فهي اذن هدم اللغة وأعاده تشكيلها من جديد لتبرز بمختلف الصور الإيحائية والدلالية لتخرج الالفاظ عن دلالاتها المعجمية ليتجلى فيها صور الإيحاء /كما يقول احمد حاجي في موضوع مصطلح اللغة الشعرية . وهي ليست تبنيا لنقدية جديدة في الق ق ج .

ان الآراء النقدية هي مدار اجتهاد ووجهة نظر شخصية وهي ليست بالضرورة ملزمة . وفي مجال الحجم او الفضاء السردي الضيق الذي تتحرك فيه الق ق ج فأنه يفرض اليات محددة كالتكثيف وقد الزمت الق ق ج كتابها عبر عنوانها من خلال كلمة ( جدا ) بالتقيد بها فهو قطعا ليس مقياسا كميا ورأي د . فاطمة المزروعي يلامس الحقيقة [ أن الحجم ليس معيارا كميا فحسب , لكنه عامل أساسي في بناء القصة القصيرة جدا من حيث المضمون والتقنيات لأنه يتطلب من القاص الاعتماد على التكثيف ]ص65 .لذا فأن كم الكلمات المكون لبنية النص هو تحصيل حاصل لمدى التزام القاص بسياقات العمل .وقياس لدرجة الجهد المبذول في أنجاز النص القصير جدا الذي يستهين به البعض . في الفصل الثاني الموسوم ب ( اشكالات التداخل الأجناسي )فهو رغم انه يستعرض كم من المعلومات التي تدعم الخزين الثقافي للقاص الا انه يعيد انتاج الحوار البيزنطي حول الق ق ج وقد ان الإوان لتجاوز هذا الجهد الضائع فالساحة الأدبية شاسعة تستوعب المزيد من الأنواع الأدبية . أما التراث العربي الأدبي والنقدي غني بالكثير من الإنجازات التي تعاملت مع عصرها الا أن الأدهى بأن الاحتلالات الاجنبية أوقفت العقل العربي المبدع بشتى الأساليب كما أن اجناس سردية كالرواية والقصة هي اجناس وافدة من حضارات أخرى خلقت حراكا ابدعنا فيه .

ان نشاطا نقديا يرافق المنتج العربي ويلحظ خصوصية البيئة التي نشأ فيها مستعينا بخزين التراث وفتوحات الأفكار النقدية الأوربية سيكون مفيدا في تنشيط الحركة الأدبية ...أن كتاب مقاربات نقدية في اشكالات القصة القصيرة جدا جهدا كبيرا مثمرا ولو تم التوسع فيه لتحول الى كتاب مرجعي وأرشيف يحتاجه الباحث والمبدع للاستفادة من الكم الهائل للمعلومة التي يحتويها , ان التعرض لكتاب نقدي لا يسعك الا أن تثني على الجهد المعرفي المصاحب لإنجازه . أن اقتناء كتاب الق ق ج للكتاب سيطور خزينهم المعرفي وينمي درجة حساسيتهم في التعامل مع النص . لقد كان عنوان الكتاب باعتباره ثريا النص وعتبة اولية مخلصا لمضمون الكتاب ومتواشجا معه في جهده ..فالف مبروك للباحث على هذا الجهد المعرفي لإنجاز كتاب يسد فجوة معرفية في الساحة الأدبية .

إرسال تعليق

أحدث أقدم

تابعنا على جوجل نيوز

هلا ومرحبا بكم : وكالة خبر حمل التطبيق الان